حول الحج والعمرة
للشيخ محمد ناصر الدين الألباني

كنت وقفت على مقال " حول الحج والعمرة " للأستاذ الشيخ حمدي الجويجاتي ، في الأجزاء (5-8) من المجلد الحالي لهذه المجلة الزاهرة (*) رد فيه علي ، فلم أنشط للرد عليه ، اكتفاءً بما هو واضح في مقالي الذي انتقدته ، ولكن شاع في بعض ( الأوساط ) أن سكوتي دليل أن الحق مع الشيخ ، وليست الحال كذلك ، وإلا فإني أرحب بكل نقد على أن يكون حقاً ، وألح علي بعض الإخوان بضرورة الرد ، فرأيت موافقتهم وأرجو أن ينفع الله به من فتح قلبه للحق .

إن رد الشيخ الجويجاتي ينحصر في نقطتين أساسيتين ، ثم بنقطة ثالثة ، أما ما جاء في تضاعيف كلامه فأضرب عنه صفحاً ، فأمره يطول وللمجلة نطاق محدود :

النقطة الأولى : زعمه أننا خالفنا بما ذهبنا إليه سنة الخلفاء الراشدين.
النقطة الثانية : وأنه لم يقل بذلك أحد من علماء المسلمين ( يعني أننا خرقنا الإجماع بزعمه ) .
النقطة الثالثة : " أن الخلاف الذي وقع بالاجتهاد ، إنما هو في الأفضلية في كثير من الفروع ، وفي هذا توسعة ورحمة . . . " كما قال : وليت الشيخ لجأ إلى الأحاديث التي استدللنا بها على وجوب التمتع -وهي كثيرة طيبة- ناقشها مناقشة العالم المتمكن رواية ودراية ، وإلى أجوبتنا الكثيرة عن احتجاج من احتج بنهي عمر رضي الله عنه عن التمتع بالحج وإفراد الخلفاء به ، ولكنه لم يصنع من ذلك شيئاً ، وإنما اتهمني بما ليس في ، وهذا ما سيراه القراء الكرام :

1- النقطة الأولى : قال الشيخ :
" هذا مع صريح اعترافه بأن عمر بن الخطاب نهى عن التمتع بالحج وعثمان والزبير (!) وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وأن الخلفاء الراشدين قد أفردوا في الحج ، ثم قال بعد ذلك بكل اجتراح وجموح : " هذا مخالف للكتاب والسنة " وعلل عمل الصحابة بما أوحاه له تفكيره ضارباً عرض الحائط بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " .

أقول : سبحانك هذا بهتان عظيم ، فحن لم نقل بوجوب المتعة ، إلا اتباعاً لسنته -صلى الله عليه وسلم- ، وفراراً من غضبه على الذين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة ، ولم يبادروا إلى اتباعه فوراً ، ( كما رواه مسلم وغيره ) ، وهو مذكور في مقالنا المنشور في الجزء (1-4) مع غيره من الأحاديث التي في معناه ، فكيف جاز للشيخ حمدي أن يتهمنا بهذه التهمة المكشوفة ؟!

وإن كان يعني أننا ضربنا عرض الحائط ببعض الحديث المذكور ، وهو " سنة الخلفاء الراشدين " فهو غير صحيح أيضاً ، لأن الخلفاء الراشدين لم يتفقوا على خلاف ما ذهبنا إليه في التمتع بالحج ، بل ثبت في " صحيح مسلم (4-46) أن علياً رضي الله عنه كان يأمر بها ، وأبو بكر رضي الله عنه ، لا يعرف عنه قول بخلافه ، فأين مخالفتنا للخلفاء الراشدين المزعومة ؟! بله ضربنا عرض الحائط بقوله -صلى الله عليه وسلم- ؟! فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه . . .

ولعل الشيخ من أولئك الذين يظنون أن معنى قوله عليه السلام : " وسنة الخلفاء الراشدين " أي أحدهم ، ثم لا يبالون بعد ذلك أكان له مخالف منهم أم لا ؟ فليعلم هؤلاء الظانون أن هذا التفسير خطأ محض ، وأن الصواب فيه : أي مجموعهم ، يعني ما اتفق عليه الخلفاء الراشدون ، وأما إذا اختلفوا ، فمحال أن يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- باتباع كل منهم على ما بينهم من الاختلاف ، وإنما المرجع حينذاك قول الله تبارك وتعالى : ( فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ).

على أن لبعض العلماء رأياً آخر في تفسير الحديث هذا ، فقد جاء في " إيقاظ الهمم " ( ص 32 طبع الهند ) :
" وقال يحيى بن آدم : لا تحتاج مع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قول أحد ، وإنما يقال : سنة النبى -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم ليعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مات وهو عليها ، أقول : وعلى هذا ينبغي أن يحمل حديث : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " ، فلا يرى فيه إشكال في العطف ، فليس للخلفاء سنة تتبع إلا ماكان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- " .

قلت : فعلى هذا (يكون) العطف في الحديث ، كالعطف في قوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ... ) فإن من المعلوم أن اتباع غير سبيل المؤمنين ، هو مشاققة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإنما ذكر سبيلهم ليدل على أنه هو الذي كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وهذا المعنى في الحديث أرجح عندي من الذي قبله لأمور لا مجال لذكرها الآن.

وأما المعنى الأول فباطل قطعاً ، وهو الذي يجول في أذهان كثير ممن لا يعرفون كيف يؤخذ بالسنة .

فمن المخالف للسنة المطهرة منا ، ولقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأخير الذي ترك الناس عليه ، وأمر به علي رضي الله عنه ؟ إن الشيخ على القول المرجوح عنده في تفسير حديث السنة والراجح عند أمثاله هو - مخالف لسنة الخلفاء الراشدين !

أما أنا فقد خالفت -بعد ثبوت الدليل من السنة- عمر وعثمان ليس إلا ، وهما -رضي الله عنهما- قد ثبت أنهما نهيا عن التمتع ، ولكن أنكر ذلك عليهما جماعة من الصحابة منهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب ، لمخالفته لنص القرآن الكريم ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) وكنا فصلنا القول في ذلك تفصيلاً في مقالنا الذي نشرته المجلة ، فلا نعيد القول فيه ، ولكني أرى أن أذكر الشيخ برواية أخرى فيها إنكار أقرب الناس إلى عمر -رضي الله عنه- وأعرفهم به ألا وهو عبد الله بن عمر ، وهو من هو " علماًَ وفهماً عربياً غير ذي عوج " فروى الإمام أبو جعفر الطحاوي عن سالم بن عبد الله بن عمر ، قال :

" إني لجالس مع ابن عمر -رضي الله عنه- في المسجد ، إذ جاءه رجل من أهل الشام ، فسأل عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال ابن عمر : حسن جميل ، فقال : فإن أباك كان ينهى عن ذلك ، فقال : ويلك ! فإن كان أبي قد نهى عن ذلك ، وقد فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر به ، فبقول أبي تأخذ أم بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟! قال : بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال : فقم عني ". ورواه أحمد بنحوه. والترمذي وصححه .

فليتأمل المحب للسنة والمنتصر لها ، كيف كان السلف الصالح لا يؤثرون عليها قول أحد من الناس ولو كانوا آباءهم ، والشيخ ينكر علينا أخذنا بأمره -صلى الله عليه وسلم- بالتمتع ، ومخالفتنا لعمر وعثمان وليسا بمعصومين رضي الله عنهما !!

وقبل أن أنتقل إلى النقطة الثانية أريد أن أنبه القراء إلى أن ما نسبه الشيخ إلي عطفاً على نهي عمر عن التمتع من القول : " وغيرهم من الصحابة " أقول : وهذا القول افتراء محض علي ، وقوله : " والزبير " خطأ منه : والصواب " ابن الزبير " .

2- النقطة الثانية : زعم الشيخ أنه لم يقل بوجوب التمتع في الحج أحد من علماء المسلمين ، والدليل على ذلك قوله في رده : " فهلا ذكر واحداً باسمه من أئمة الاجتهاد والتشريع في الإسلام قال بوجوب التمتع " .
فأقول : قد فعلت ذلك في المقال نفسه الذي نشرته المجلة فقد جاء فيه ما نصه : " بل ذهب بعض العلماء المحققين إلى وجوبه إذا لم يسق معه الهدي ، منهم ابن حزم وابن القيم تبعاً لابن عباس وغيره من السلف " وأحلت في تفصيل ذلك على كتاب " المحلى " و" زاد المعاد " .

والشيخ حمدي على علم بقولي هذا ، فإنه أشار إليه في رده إشارة سريعة بقوله : " وتلقف أقوالاً عن بعض الصحابة وبعض العلماء المحققين بوجوبه إذا لم يسق الهدي " .

لقد حكى الشيخ هذا عني ، ثم لم يجب عنه ولو بشطر كلمة ، لأنه لا جواب عنده ، ثم يعود فيطلب تسمية أحد من أئمة الاجتهاد قال بوجوب التمتع ؟! ولا أجادله في ابن حزم وابن القيم ، فحسبنا الآن إثبات ما نسبنا لحبر الأمة :

روى مسلم في " صحيحه " عن أبي حسان قال : " قيل لابن عباس : إن هذا الأمر قد تقشع بالناس ( أي انتشر بينهم ) من طاف بالبيت فقد حل ، الطواف عمرة ، فقال : سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- وإن رغمتم " .

وزاد في رواية له من طريق عطاء :
" وكان يأخذ ذلك من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع ".

وهذا هو مستند العلامة المحقق ابن القيم -رحمه الله- حين قال في " زاد المعاد ، في هدي خير العباد " بعد أن ذكر أن جواز التمتع واستحبابه محكم إلى يوم القيامة :
" لكن أبى ذلك الحبر ابن عباس ، وجعل الوجوب للأمة إلى يوم القيامة ، وأن فرضاً على كل مفرد وقارن لم يسق الهدي ، أن يحل ولابد ، بل قد حل ، وإن لم يشأ ، وأنا إلى قوله أميل " .

فقد تبين للقراء الكرام أننا حين قلنا بوجوب التمتع لم نأت بشيء جديد ، بل اتبعنا فيه حبر الأمة ، وغيره من الأئمة (1) ، لا مقلدين لهم ، بل متبعين ، كما أمر رب العالمين ( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) وأننا حين خالفنا عمر أمير المؤمنين ، فما ذلك إلا اتباعاً لأمر سيد المرسلين ، وفراراً من غضبه -عليه السلام- كما سبق ذكره ، وأنه سبقنا إلى مخالفته ابن عمه عبد الله ، ووافقنا فى المخالفة الشيخ حمدي نفسه ، لأنه لا ينهى عن التمتع ، كما نهى عمر !

ثم إن الشيخ -هدانا الله وإياه- حكى مذاهب العلماء في الأفضل من أنواع الحج الثلاثة ، ونقل دليل كل منهم فيما ذهب إليه دون أن يحاول بيان الراجح من المرجوح منها ، أو التوفيق بين ما يمكن التوفيق منها ، وبذلك ترك القراء في حيرة في معرفة الأفضل من ذلك ولا بأس ، فإن لهم به أسوة ! وليس يهمنا من كلامه هنا إلا قوله :
" وكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم القارن ، والمفرد ، والمتمتع ، وكل منهم يأخذ عنه أمر نسكه -صلى الله عليه وسلم- ويصدر عن فعله . . . ".

فإن كان يعني أنه كان فيهم المفرد في آخر الأمر بحيث أنه لم يتحلل من إحرامه بعمرة ، مع كونه لم يكن ساق الهدي، فهذا غير صحيح ، فلم يكن معه -صلى الله عليه وسلم- في حجته صحابي واحد لم يسق الهدي ، حج حجاً مفرداً ، وإنما كانوا في أول إحرامهم منهم القارن ، ومنهم المفرد ، ومنهم المتمتع وكانوا جميعاً على قسمين منهم من ساق الهدي معه من الحل ، ومنهم من لم يسق الهدي ، فأمر -صلى الله عليه وسلم- هذا القسم الثاني يأن يحل من الحج يعمرة فحلوا جميعاً من كان منهم قارناً أو مفرداً ، كما قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: " فحل من لم يكن ساق الهدي ، ونساؤه لم يسقن الهدي ، فأحللن " أخرجه الشيخان .

ومن هنا يتبين وهم من يحتج ببعض الأحاديث التى فيها أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر أهله أن يهلوا بحج وعمرة ، فإن هذا كان في أول الإحرام ، وأما فيما بعد فقد أمرهن أن يفسخوا ذلك إلى عمرة لأنهن لم يسقن الهدى كما سبق .

وقبل أن أنتقل إلى النقطة الثالثة والأخيرة ، أريد أن أنبه القراء أيضاً إلى قول الشيخ الجويجاتي بعد أن ذكر الصحابة والأئمة :
" فيغمزهم جميعاً بعملهم خلافاً للكتاب والسنة ، ويتناول بالقدح والذم عباد الله حجاج بيته الطائعين من ذلك العهد الطاهر حتى يومنا هذا ، بوصفهم بخلاء ومحتالين " .

وفي هذا النص نقطتان مخالفتان لا واحدة ، قد نبهت على الأولى إدارة المجلة فأغنتني عن الإعادة لا سيما و هي تفهم مما سبق من كلامنا . أما الفرية الأخرى ، فهي قوله إن قدحت جميع الحجاج من ذلك العهد الطاهر إلى يومنا هذا بوصفهم بخلاء ومحتالين !

والحقيقة ، أنني لم أقدح إلا في جماعة من الحجاج اتصلت بهم في بعض المواسم عرفت من كلامهم ما به يستحقون الوصف المذكور ، وهذا نص كلامي المنشور في مقالي السابق :

" وقد اتصلنا بكثير من الحجاج فعرفنا منهم أنهم مع كونهم يعلمون أن التمتع أفضل من الإفراد ، فكانوا يفردون ، ثم ياتون بالعمرة بعد الحج من التنعيم ، وذلك لئلا يلزمهم الهدي . . . و ( إنما يتقبل الله من المتقين ) وليس من البخلاء المحتالين " .

فتأمل أيها القارىء الكريم في كلامنا ، ثم فيما نسبه الشيخ إلينا ، والله المستعان .

3- النقطة الثالثة : قال الأستاذ الشيخ حمدي :

" إن جميع أصول الإسلام في العقائد والعبادات . ومنها الحج لم يكن فيها أي اختلاف ، ولكن وقع الخلاف بالاجتهاد في الأفضلية في كثير من الفروع ، وفي هذا توسعة ورحمة وحكمة بالغة . . . ".

قلت : وقد تضمن هذا القول أموراً ثلاثة :
الأول : أنه لم يقع اختلاف بين العلماء أصلاً في العقائد .
الثاني : وكذلك في العبادات لم يقع أي اختلاف إلا في تفضيل أمر على آخر ، أما في التحريم والتحليل ، والإيجاب والاستحباب ، فلم يقع في ذلك أي اختلاف .
الثالث : وإن الاختلاف المذكور توسعة ورحمة . . .

أقول : ليس عجبي من الأمر الأول والثالث ، فإن الشيخ مسبوق إليهما ، ولو من غير ذي إمامة وقدوة ، وإنما عجبي الذي لا يكاد ينتهي من الأمر الثاني فإن أحداً قبل الشيخ لم يتفوه بذلك ، فهذا مذهب الحنفية الذي يدين الشيخ به قد اختلفوا مثلاً في الأذان وفي صلاة الجماعة هل هما من السنة أم الواجبات ، وكذلك اختلفوا في الاطمئنان في الصلاة ، حتى قال أبو يوسف أو الإمام محمد إنها فرض عملي ، وذهب أبو حنيفة -رحمه الله- إلى عدم مشروعية صلاة الاستسقاء خلافاً لهما ، وإلى جواز شرب المسكرات المستخرجة من غير العنب ما لم يسكر بها ، على تفصيل معروف في كتب الفقه خلافاً لهما ، والمساثل الخلافية بينه وبين صاحبيه كثيرة جداً معروفة عند فقهاء المذهب .

وأما الخلاف بالعقاثد بين أئمة المسلمين والفقهاء المعروفين فحدث عن البحر ولا حرج ، فقد اختلفوا في الإيمان هل يزيد وينقص ، وهل يقول أنا مؤمن حقاً ، أم يقول أنا مؤمن إن شاء الله ، وترتب على ذلك ما ترتب من الأحكام بنظرهم ، ولبعض المتأخرين -فيما أذكر- رسالة جمع فيها المسائل التي وقع الخلاف فيها بين أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي مما له صلة بالعقيدة والتوحيد !

وأما الخلاف في العبادات والمعاملات والعقود فأشهر من أن يذكر ، وأكثر من أن يحصر ، فقد اختلفوا في عدد فرائض الوضوء مثل النية مثلاً ، ونواقضه ، مثل خروج الدم ومس المرأة ، وفي أركان الصلاة ، كقراءة الفاتحة ، وواجباتها ، مثل قراءة آية بعدها ، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد ، ومبطلاتها ، مثل كلام الناس فيها .

واختلفوا في الفتاة البالغة الراشدة تزوج نفسها بنفسها بدون إذن وليها فمنهم من يصححه ، ومنهم من يبطله . . .

وغير ذلك مما يطول الكلام به ، فمن شاء المزيد منها فليرجع إلى كتاب " الفقه على المذاهب الأربعة " أو " بداية المجتهد " ير العجب العجاب .

فهل هذا الاختلاف كما يقول الشيخ حمدي خلاف في الأفضلية فقط وفي الفروع فحسب ؟! فاللهم هداك ورحمتك .

وأما قوله : وفي هذا توسعة ورحمة . . . . " .

فهو مما لا معنى له هنا ما دام أنه زعم أن الخلاف إنما وقع في الأفضلية ، فلا تأثير حينئذ للخلاف ، ألا ترى أنهم اختلفوا في أفضل أنواع الحج ، فلو أنهم اتفقوا على أن الأفضل التمتع مثلاً ، فاتفاقهم هذا دليل على جواز النوعين الآخرين ، فكيف وهم قد اختلفوا فالحكم هو هو لم يتغير اتفقوا أم اختلفوا .

وإنما يقول هذا القول بعض من يرى التلفيق بين المذاهب ، بزعمهم أنهم جميعاً على صواب فيما ذهبوا ، وأن الحق يتعدد ، وحجتهم في ذلك الحديث المشهور : " اختلاف أمتي رحمة " وهو حديث باطل ، وما بني على باطل فهو باطل ، وقد فصلت القول في ذلك في سلسلة " الأحاديث الضعيفة " وفي " صفة الصلاة " الطبعة الثالثة ، ولذلك قال سليمان التيمي :
" إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله " .
رواه ابن عبد البر في " جامع العلم " (2/92) .
" هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً " .

وما أظن أن الشيخ حمدي يخالف هذا الإجماع ، ولذلك فلا أطيل الكلام فيه ، وفيما ذكرنا كفاية .

أبو عبد الرحمن الألباني
أصيل الجمعة
10 / 8 / 1385 هـ

المصدر: مجلة التمدن الإسلامي ( 32 / 761 – 770).


(*) التمدن الإسلامي : ذهب الأستاذ الألباني (في مقاله المنشور ص 71-37 من الأجزاء 1-4) إلى القول بالتمتع في الحج لا (القران ) ولا (الإفراد) وأن الحج كان في أول استئناف الرسول -صلى الله عليه وسلم- إياه جائزاً بأنواعه الثلاثة ، ثم نقل الرسول المؤمنين إلى ماهو أفضل وهو التمتع .
ونذكر القراء بأن التمتع بالحج هو أن يهل الرجل بالعمرة في أشهر الحج من الميقات ثم يأتي حتى يصل إلى البيت فيطوف لعمرته ويسعى ويحلق في تلك الأشهر بعينها ، ثم يحل بمكة ، ثم ينشىء الحج في ذلك العام بعينه وفي تلك الأشهر بعينها من مقامه في مكة كأهلها . وأن " القران " هو أن يهل بالنسكين معاً ، أما " الإفراد " فهو ما يتعرى عن صفات التمتع والقران اللذين عرفناهما فينوي الحج فقط .
ورد الأستاذ الجويجاتي على قول الأستاذ الألباني في الأجزاء 5-8 (ص 62-66) وانتهى إلى أن الأئمة الأربعة وغيرهم قد اتفقوا على جواز الأنوع الثلاثة وإنما اختلفوا في الأفضل منها . وعلقت المجلة على ظن أن الأستاذ الألباني خالف السنة بمخالفة مذهب عمر رضي الله عنه بأن مذهب الصحابي المختلف فيه بين الصحابة -كرأي عمر رضي الله عنه هنا- ليس حجة على غيره فقد يفوت بعضهم الوقوف على السنة . وأكد الأستاذ الألباني هنا ماذهب اليه من قبل في ضوء الكتاب والسنة ، فغدت العمرة جزءاً من الحج بتطبيق نوع (التمتع ) .
(1) مثل مجاهد وعطاء والحسن البصري والإمام المجتهد إسحاق بن راهويه ، ولولا ضيق المجال لسقت الروايات عنهم .